المسرح الموريتاني.. من فضاءات الإبداع إلى عزلة كوفيد19 / محمد محمود محمد البشير
أثرت جائحة كوفيد19 منذ ظهورها على حياة الفرد والمجتمع عموما، وعلى أكثر من صعيد، فمع انتشار الأخبار السيئة وانخفاض مستويات الأمن الصحي على الصعيدين البدني والنفسي، ترقلت سيرورة الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية، ومن ذلك تأثر الفن المسرحي الموريتاني، الذي كان يصفه المنشغلون به على أنه “طبيب الحضارة وعلاج جميع أمراضنا الاجتماعية” فأغلقت دور المسرح كدار الشباب القديمة بنواكشوط والمركز الوطني للفنون، وأجلت المهرجانات، كالمهرجان الوطني للمسرح، ومهرجان نواذيبو لمسرح الهواة.
عن حدود تأثير الجائحة على المسرح الموريتاني تحدث إلينا رئيس مصلحة المسرح بالمعهد الوطني للفنون الأستاذ سُلي عبد الفتاح حيث استهل حديثه معنا عن تأثير الجائحة قائلا: “تعتبر جائحة كوفيد19 من أكثر الظواهر تأثيرا على العالم وقد أثرت بشكل كبير على شتى أوجه الحياة وعزلت الإنسان عن الإنسان، هذه العزلة أثرت بشكل خاص على الفنون التفاعلية التي لا تستخدم الواسطة أو الوسيط، وإنما التفاعل المباشر بين حامل الرسالة والمتلقي، ويأتي في مقدمة هذه الفنون المسرح بطبيعة الحال.
لقد كانت الحركة المسرحية في موريتانيا ضعيفة جدا مقارنة بالبلدان المجاورة نظرا لعدة أسباب منها أنها تجربة فتية جدا، بالإضافة إلى غياب المسرح في المنهج التعليمي وغياب معاهد فنية، وكذالك دور عرض و إلتفات الجانب الرسمي عن المسرح، ولما حل كوفيد19 بنا أطاح بهذه الحركة التي بالكاد كانت تحاول النهوض، حيث توقفت تماما حتى كادت تختفي، وتعطل الخلق والإبداع بشكل صادم ومفاجئ، لكنها أيضا بالمقابل فرضت على المشتغلين في المجال البحث عن بدائل ووسائل لتوصيل الفكرة والتفاعل مع الجمهور وسط هذه العزلة، لذلك ابتكرنا كمسرحين مفهوم التفاعل الفني عن بعد بواسطة استخدام وسائط التواصل الإجتماعي حيث يتم تصوير العروض بدون جمهور، ونشرها على هذه الوسائط، وكذلك إقامة الورشات والمحاضرات والندوات عن بعد.
وقد أدى ذلك إلى ميلاد ما يسمى بالديجيتال في المسرح العالمي وهو التوجه الجديد الذي بدأ يتسرب شيئا فشيئا إلى الفعل المسرحي قصد استخدام ما يمكن من التقنية الحديثة داخل المسرح.
ويمكنني القول بعد انتهاء الجائحة أن المسرح الموريتاني رغم كل شيء نجا وها هو يحاول النهوض مجددا
الفنان والمخرج المسرحي باب ميني لا يذهب بعيدا من الأستاذ سلي عبد الفتاح، بل يكاد يوافقه بالمجمل فيما ذهب إليه هو الآخر حيث يعتبر أن الجائحة عطلت مصالح المسرحيين الفنية والمادية بشكل كبير ومن ذلك يقول: ” لا شك أن المسرح الموريتاني تأثر تأثرا كبيرا جدا من جائحة كوفيد19، فقد أثر على علاقتنا بالمسرح العربي من خلال التظاهرات التي كان يتم إشراكنا فيها، من خلال المهرجانات التي كنا نستفيد منها من خلا المشاركة فيها، فقد كانت استفادتنا مادية وفنية من هذه المشاركات، كما كنا ننظم سنويا المهرجان الوطني للمسرح الذي ينظم بدعم من الهيئة العربية للمسرح والذي كان بمثابة أهم متنفس مسرحي في موريتانيا، وقد توقف هو الآخر بسبب جائحة كوفيد19، ذلك أن الهيئة العربية للمسرح قد أوفقت دعمها لهذا النمط من المهرجانات التي كانت تدعمها في الوطن العربي، وذلك بسبب الجائحة.
كما خسرنا الكثير من التكوينات في المجال التي كانت تنظمها الهيئة العربية للمسرح وتبتعث لها مكونيين.
كوفيد19 أيضا عرقل نمطا من عدم مركزية المسرح في نواكشوط كان نقوم به من خلال إشراك بعض ولايات الداخل.
للأسف الشديد خلال الجائحة لم تقدم الحكومة الموريتانية ممثلة في وزارة الثقافة أي دعم مادي أو معنوي للفنانيين المسرحيين الموريتاني، لكن من حسن حظنا كفنانين أننا لم نكن نعتمد على المسرح كمصدر دخل حصري.
رغم أن مسرحنا الموريتاني كان الأقل مناعة من بين المسارح العربي إلا أنه على صعيد الانتاج لم يلم يتأثر كثيرا بالجائحة مقارنة بغيره من المسارح، بالرغم من اكتفاء العديد من الفنانين بتشبيك الأيدي وانتظار انفراج ظلمة الجائحة كي يزاولو فنهم المسرحي.
أضيف هنا أن الفنان المسرحي وبلا شك تأثر كثيرا بسبب الجائحة حيث فرضت عليه عزلة قسرية منعته من المشاركات الدولية والإقليمية التي دأب على تمثيل موريتانيا فيها، كما تأثر المسرح محليا من خلال توقف الأنشطة والتظاهرات بسبب الكوفيد19.
مع ذلك شارك الفنان المسرحي في كل الحملات التوعوية الرامية إلى تحسيس المواطنين حول جائحة كوفيد من خلال اسكتشات أو من خلال صفحات الفيس بوك، وبقي متمسكا بحبه لوطنه وإيمانه به رغم صعوبة الظروف”
الفنان المسرحي المختار الشيخ هو الآخر تسببت الجائحة في خسارة العديد من مشاريعه وتسبب في سد مصدر رزقه الذي كان يعيل منه نفسه، فيتحددث إلينا بتحسر قائلا:
“كوفيد19 جعل الساحة الثقافية في موريتانيا ميتة تماما،أكثر مما كانت، فالمهرجانات والأنشطة الثقافية و الفنية شبه ميتة لأنها كانت في الأصلية موسمية، ثم جاء كوفيد19 وقضى عليهابشكل كامل.
خذني أنا مثلا كنموذج فقد كنت أعمل بالمركز العربي للفنون الأدائية، وفي نهاية عقد العمل الذي يربطني بالهيئة العربية للمسرح و كنا في الطريق للتجديد لكن اللعين كوفيد 19 كان السبب الرئيس في عدم التجديد لعام آخر بحجة أنه ليست هناك أعمال فنية ولا مهرجانات ولا ورشات تكوينية كل شيء مغلق.
كما تم تأجيل وإلغاء عدة مهرجانات عربية من أبرزها مهرجان المسرح العربي المنظم من طرف الهيئة العربية للمسرح، وأخرى دولية و محلية خاصة أكبر مهرجان محلي يقام في موريتانيا وهو المهرجان الوطني للمسرح بتمويل من الهيئة العربية للمسرح و بالتعاون مع وزارة الثقافة الموريتانية، وهذا أيضا كنت عضوا في اللجنة المنظمة له كمسؤول عن استقبال ملفات الفرق المشاركة.
الأمر الأكثر إيلاما لي على الصعيد الفني هو إلغاء سفر ومشاركة لي تونس تتمثل في الحصول على تكوين لمدة شهر في فنون العرائس، وأيضا إلغاء مشاركة خارجية أخرى كنت عاكفا على إجراءاتها تتمثثل في المهرجان الدولي للمونودراما الجامعية بتونس.
إذا أنا كفنان كنت من المتأثرين جدا بقدوم فيروس كورونا المستجد فقد فقدت عملي و خسرت عدة مشاركات و تكوينات خارجية”
بين حسرة الفنانين وتعطل المساحات التي كانت متاحة للفعل المسرحي في موريتانيا يبدوا أن الساحة الفنية كغيرها من المجالات بدأت تستعيد عافيتها قليلا بعد انحسار الجائحة فقد شهدت مدينة نواكشوط مؤخرا خلال أواخر العام المنصرم تنظيم مهرجان نواكشوط الدولي الذي شاركت في النسخة الأولى منه عدة فرق من نواكشوط، كما اختتمت السنة الجامعية بعرض مسرحي من تمثل طلبة الجامعة وتحت رعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ممثلة في مركز الخدمات الجامعية، في ظل ظرف كهذا ينشد المسرحيون مساحات أكبر للفعل المسرحي من شأنها أن تسرع في استعادة المسرح الموريتاني لعافيته، وأن يستعيد الفنان المسرحي فرسه الفنية والمادية التي أضرت بها الجائحة.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.