سوق الملابس المستعملة قبلة الفقراء المفضلة رغم الجائحة / مريم إبراهيم
لا يتبضع الجميع في المحلات التي تبيع الملابس الحديثة فهناك من يختار سوق الملابس المستعملة أو “فوكجاي “كما يطلق عليها شعبيا في موريتانيا.
بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود أو أولئك الباحثين عن ملابس تتماشي مع مستوى دخلهم فإن الوجهة الأولى ستكون “فوكجاي” حسب قولهم،
لكن البعض يرى أن هذه البضاعة لم تعد حصرا على أصحاب الدخل المحدود فقط، فبعد أن كانت الملابس المستعملة مقصداً للفقراء في أسواق مخصصة لها وفي الفترات الموسمية ، حيث يهرع البسطات صيفاً وشتاء لشراء الملابس والأحذية ولعب الأطفال ذات الأسعار الزهيدة بما يناسب احتياجات العائلات الفقيرة،إلا أن الوضع قد تغيّر مع مجيء كوفيد 19 حيث زادت معاناة باعة الملابس المستعملة وكذا المواطنين المتسوقين.
وسط سوق “كلينك” الشعبية حيث تكدست الملابس والأحذية المستعملة، تقف فاطمة محفوظ (أم لبنتين)، بعد أن أعياها البحث عن ملابس جديدة في السوق الكبير، تكون في متناول وضعها الإقتصادي، وبعد أن تيقنت أن أسعار السوق الكبير لا تنزل عن عتبة 300 جديدة أي بمعدل 90% مقارنة بأسعار الملابس المستعملة المعروفة محليا بفوكوجاي”، وتجلس غير بعيد من أكوام الملابس المستعملة تبحث في عن ما يمكن أن يناسب ذوق وحجم بناتها، وتستأنف حديثها قائلة: “إن الفقراء لهم الله وفوكوجاي، (أي سوق الملابس المستعملة) لستر أنفسهم في ظل الغلاء الذي نعيشه” وتضيف “أن الأسعار هنا بسيطة، وأنها تأتي، كل أسبوع، إلى هذه السوق لتبحث عن ما يمكن أن يساعد في سد احتياجات ملابس العائلة وكثير من احتياجات المنزل.
يقول محمد الأمين (بائع ملابس مستعملة سابق) “إن هذه المهنة جميلة أمضيت فترة من الزمن وأنا أزاولها وكانت فيها الاستفادة الكبيرة، مارستها في بداياتها وكانت في أوج ازدهارها، وكان إقبال الناس على هذه المهنة ضئيلا جدا مقارنة بالإقبال اليوم، لكن مع مرور الزمن وخلال السنوات الأخيرة توجه الجميع لهذه المهنة مابين من يبيع بالجملة ومن يجر عربته (بوس بوس) يتجول بها، الأمر الذي تضرر منه الباعة الصغار حيث أرتفعت أسعار حزمة الملابس(بالوطة) التي كان يتراوح سعرها بين 45 ألف للصغيرة و100 ألف للكبيرة، وارتفعت بمعدل 20% للحزمة، مما فرض على الباعة الصغار زيادة سعر القطع التي ستباع لاحقا بشكل فردي، فبينما كان يترواح سعر القطعة بين 10 أوقية جديدة 100 أوقية جديدة زاد سعرها هي الأخرى بالنصف على كل قطعة، مما شكل سببا في عزوف الزبناء عن التبضع من باعة الملابس المستعملة”.
ليس لدى الباعة الصغار في سوق الملابس المستعملة علاقة مباشرة بالاستيراد، ففي فترة كورونا كان هناك الكثير من الانتهازية من طرف التجار الكبار، فإحدى المؤسسات التي نتعامل معها كزبناء لم تحترم أسعار السوق بل زادت عليها، بالرغم من كون ما اشترينا منها ليس بضاعة جديدة، إنما كانت مخزنة لديهم وأخرجوها في هذه الفترة، ولم تكن البضاعة بالمعيار الجيد، في حين تتضاعف أسعار البضاعة الجديدة، لكن مع ذلك تبقى هذه المهنة مهنة جيدة رغم الأزمات والخسائر التي عنينا بسبب كوفيد”.
بالنسبة لنا كباعة متجولين “في الشارع ينظر الزبون إلى الباضعة التي نوفر باعتبار أنه يمكن أن تؤخذ بثمن بخس مقارنة ببضاعة دكان رغم فارق الجودة”.
غالبا ما نتعرض للمضايقات خصوصا حين تكون هناك حملات من البلدية والسلطات المحلية، أنا شخصيا تعرضت للطرد مرات عدة، ورموا بضاعتي التي أعيش منها وأعيل أسرتي”.
كورونا أيضا فاقم الوضع وكانت شائعات كثيرةً بأن “رباخة ” -وهي نوع من الملابس المستعملة- تأتي من الدول التي ينتشر فيها الوباء وبالتالي ساهمت هذه العقلية في تكدس البضاعة لدينا، كما وفر الزبناء منها، وفي تلك الفترة أصبح السوق راكدا من هذه الناحية، و أيضا تم إغلاق السوق لفترة بسب حظر التجول والتباعد الاجتماعي كل ذلك ساهم في تفاقم الوضع علينا من التخوف و قلة دخل”.
في سوق اكلينيك وسط نواكشوط يعترف التاخر أحمد أن “أعداداً كبيرة من الناس تزور الأسواق الأسبوعية والإقبال كبير على الملابس والأحذية بشكل خاص، خصوصا خلال الفترات الموسمية، والشباب أيضاً من أهم الزبائن، خاصة طلاب الجامعات الذين يجدون ملابس جيدة بأسعار معقولة جداً”
ترى تسلم منت أميس باحثة اقتصادية وصاحبة مشروع “صحة كافى” أن هذه التجارة مهمة من أجل تحريك الاقتصاد وتخفف البطالة، كما وتمتص الفقر بين هذه المكونات التي توفر لها دخلا و إن كان محدودا، لكنه يشغلهم عن أمور أخرى كالسرقة، وتوفر لهم حاجياتهم.
وتضيف “باعة فوكجاي يوفرون بديل عن البضاعة الغالية كما أنهم يوفرون ملابس ذات جودة عالية، وكورونا خلفت أضرارا وخيمة على الاقتصاد الكبير وكذلك أهل المشاريع الصغيرة تضررو جدا خصوصا من عزوف الزبناء لأنهم لم يعدو يخرجو من المنزل، إضافة إلى كون باعة الملابس المستعملة لم يوفروا خدمة التوصيل، ورغم مستوى الاحتياج الاجتماعي الذي تعيشه الطبقات الفقيرة في ظل ما تسهم به هذه البضاعة من إعانة للعائلات في توفير النفقات وسد احتياجاتهم الأساسية.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .